Sunday 10 February 2013

الخطاب الذي أنحرف عن الاسلام بأسم الاسلام!

.  نشر هذا المقال في صحيفة فبراير الرسمية *
                                      
كتب/ عبدالوهاب العالم.
منذ أن وجد الخطاب الديني وهو مقترن بالعاطفه حتى اصبح اليوم من العسير معرفة  
أيهما أوجد الاخر فهذا النوع من الخطاب بالذات موجه لجماعات تفتقد القدرة على النقد
وهي بالضرورة تعيش وتموت في زاوية بعيدة عن الواقع مسلوبة الاراده الحره..فحتى ينجح الخطاب الديني في كل مره يجب ان يتوفر عاملين هما السلطه  والعزله حتى يبقى المجتمع متعلقا بعاطفته تجاه من يتقن الخطاب الديني وبهذا يمنح المتلقي رضى مزيف عن حاله ويحبسه في مستوى سطحي بشكل دائم فبهذه المعادله البسيطه اُنتجت الحاله المعروفه اليوم بالكهنوت والتي واكبت تطور الحضاره دون ان تتطور في داخلها فعليا ولكن بمجاراتها (للغة) العصر استطاعت ان تدوم وتسيطر في كل مره يغيب فيها العقل النقدي فى اى مجتمع، فالخطاب الديني  لايستطيع مواجهة  حس النقد المعرفي لانه ببساطه خطاب ديماغوجي بأمتياز وهو بطبيعة الحال محصور بين شقي الترهيب والترغيب الذى يخلق حاله من عدم الاستقرار لجمهور من الناس يعيشون في متاهة (رجل الدين) ايا كان لقبه او زيه الديني في اى عصر.
.
وازداد هذا المد نفوذا مع مرور الزمن حتى اوقفته استثناءات تاريخيه كانت ببعث

 الانبياء أو ظهور الحكماء والفلاسفه فهذه الحالات الموجوده في تاريخ البشريه كان لها

 دورا حاسما في الحد من التبعيه واحتكار رجال الدين للاجتهاد الروحي والفكري

 ،وصولا لنزول الرساله الخاتمه التى دعت لنبذ كل ما سبقها من مظاهر التبعيه

 والتخلف حيث اختزلتها جميعا في مفهوم (الجاهليه) الذى اصبح  يطلق لاحقا على كل

 ظاهرة سلبيه من شأنها ان ترجع الناس للوراء..

فلإسلام كان قد سحب الثقه من رجال الدين بأعتبارهم تجلطا في مسار البحث الفطري السليم وانحرافا عن الطبيعه الانسانيه الشكاكه والفضوليه ما اتاح لعوام الناس وخصوصا المقهور منهم و الخاضع لسلطة الغير أن ينطلق بفكره وبروحه متحررا من قيود السلطان وان يطلق العنان لتأمل الحقيقه داخله وفي عالمه الخارجي فأجيز له ان يتعمق في البحث فى فضاء الكون الواسع (قل سيروا في الارض فأنظروا كيف بدأ الخلق ثم ينشأ الله النشأة الاخرة إن الله على كل شيء قدير) الاية 20 سورة العنكبوت،كذلك وُهب الحق في تقرير أمر ايمانه او كفره (قل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر)  ثم جعل ينبهه ويختبره ويحثه على دوام البحث (قل من يرزقكم من السموات والارض قل وإنا وإياكم لعلى هدى أو في ظلال مبين) الايه 24 سورة سبأ..

في سياق الايات السابقه وايات اخري عده تم تربية العقل النقدي النابض بالمعرفه

 والمتحدي للعبوديه بجميع اشكالها فهذه الوصفة التى تعرضها الايات خلقت مجتمعا يحمل رسالة التسامح و الابداع وينشرها  بين الامم الاخرى..

فقد بُدل الخطاب الديني  بالحوار(الجدل) (وجادلهم بالتي هي أحسن) الايه 125 سورة النحل الذى جعله جزءا من الدعوه والتي لم تكن بدورها عملا منفصلا عن الحياه اليوميه بل كانت ضمن اسلوب الحياه فإذا استدعى الموقف حوارا فأنه يكون تصديقا وشرحا للواقع المعاش فكان التفاعل المباشر مع الاخر هو تحقيق لشرطيّ الحكمه والموعظه الحسنه ..


 فالخطاب الديني قد اثبت فشله في توصيل المعلومه المجرده لأنه لا يتعدى حدود النقل

 فأكتفى رجال الدين أغلب الاحيان بترديد ما ورثوه من دروس وشروح بحرص فحتي وإن غفل حسنى النيه من خطباء وفقهاء اليوم هذه الحقيقه الان انه يبقى الخطاب الديني عاجز عن مخاطبة الجمهور الواعي والباحث لانه بكل بساطه اجترار للنموذج الكهنوتي القديم بعد ان تنكر بزى اسلامي مبتدع..فاليوم اصحاب هذا الخطاب وحتى - حسني النيه منهم - يشنون حرب ابادة على ما نصت عليه الايات الشريفه للنيل بأحقية الاشتغال بأمور الدين تحت مسمى شيخ او مفتى او عالم ولاحتكار مهمة  التفسيروالتأويل والشرح بأدعاء واه - وإن كان شائعا- وهو أمر نصت عليه الايه     الكريمة (واسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون).

 

وهذا الادعاء يُرد عليه بالايه الكريمه (ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مُذكر) فهذه دعوه صريحه بأن يكون كل متلقي من فئة (المُذكرين) لهذا (الذكر) الميسر (السهل)..وبهذه البساطه خُلعت عن رجال الدين  مهمة فك غموض النص الديني عن طريق خطاب مشبوه وفُتحت للعالمين جميعا ابواب الاجتهاد دون اى تمييز لما له من اسهام في إثراء العقل وتوسيع لمدارك (الباحث) في امر الدين.. بالاضافه للضمانة والاجازة في الحديث الشريف الذي يقول: (...اسْتَفْتِ قَلْبَكَ وَاسْتَفْتِ نَفْسَكَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ الْبِرُّ مَا اطْمَأَنَّتْ إِلَيْهِ النَّفْسُ وَالْإِثْمُ مَا حَاكَ فِي النَّفْسِ وَتَرَدَّدَ فِي الصَّدْرِ وَإِنْ أَفْتَاكَ النَّاسُ وَأَفْتَوك) رواه الامام احمد.

بيد انه في فترات مختلفه من عصر دولة الخلافه سواء الامويه او العباسيه او غيرها ظهرت محاولات لاعادة هذا الحق المسروق للناس كافة على يد بعض المستنيرين والعلماء وحتى الفلاسفه الذين ادركوا خطر نفوذ (رجال الدين) باللعب بقواعد النحو واختراع فتاوى تحكم رأس الدوله وتسير الرعيه! ولطالما هُوجم كل عالم أو باحث يلقي الضوء على مسائل تعمّد انصار الخطاب الديني اخفائها عن العامه لانها تلهيهم عن العيش الروتيني..وقد يهاجم الباحث من قبل الناس انفسهم الذين أدمنوا مخاطبة رجال الدين لهم بلغة لا تمت لعصرهم إذ ان نصرتهم في الواقع ليست للحقيقه او لله بل هي لاسلوب حياتهم الذى انهى عنها الله وأمر بنقيضها وهى حياة المعرفه و ادراك المسؤوليه الفرديه بأن نبحث بأنفسنا ليحكم الله فيما كنا فيه مختلفون.







                                                                                                                                

No comments:

Post a Comment